الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
الشيخ أحمد بن عبد الفتاح بن يوسـف بـن عمـر المجيري الملوي الشافعي الأزهري ولد كما أخبر من لفظه في فجر يوم الخميس ثاني شهر رمضان سنة 1088 وأمه آمنة بنت عامر بن حسن بن حسن بن علي بن سيف الدين ابن سليمان بن صالح بن القطب علي المغراوي الحسني أعتنى من صغره بالعلوم عناية كبيرة وأخذ عن الكبار من أولي الأسناد والحق الأحفاد بالأجداد فمن شيوخه الشهاب أحمد بن الفقيه والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ محمد بن منصور الأطفيحي والشهاب الخليفي والشيخ عيد النمرسي والشيخ عبد الوهاب الطندتاوي وأبو العز محمـد بـن العجمـي والشيـخ عبـد ربـه الديوي والشيخ رضوان الطوخي والشيخ عبد الجواد وخاله أبـو جابـر علـي بـن فامـر الأيتـاوي وأبـو الفيـض علـي بـن إبراهيـم البوتيجي وأبو الأنس محمد بن عبد الرحمن المليجي هؤلاء من الشافعية ومن المالكية محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الـورزازي والشيخ محمد الزرقاني والشيخ عمر بن عبد السلام التطواني والشيخ أحمد الهشتوكي والشيخ محمد بن عبد الله السجلماسي والشيخ أحمد النفراوي والشيخ عبد الله الكنكسي وابن أبي زكـري وسليمـان الحصينـي والشبرخيتـي ومـن الحنفيـة السيـد علـي بن علي الحسيني الضرير الشهير بإسكندر ورحل إلى الحرمينسنة 1122. فسمع علي البصري والنخلي الأولية وأوائل الكتب الستة وأجازاه والشيخ محمد طاهر الكوراني وأجـازه الشيـخ إدريـس ليمانـي ومنـلا الياسـي الكورانـي ودخـل تحـت إجـازة الشيـخ إبراهيـم الكوراني في العموم وعاد إلى مصر وهو إمام وقته المشـار إليـه فـي حل المشكلات المعول عليه في المعقولات والمنقولات قرأ المنهج مرارًا وكذا غالب الكتب وأنتفع به الناس طبقة بعد طبقة وجيلًا بعد جيل. وكان تحريره أقوى من تقريره. وله رضـي اللـه عنه مؤلفات كثيرة منها شرحان على متن السلم كبير وصغير وشرحان كذلك على السمرقندية وشرح على الياسمينية وشرح الأجرومية ونظـم النسـب وشرحهـا وشـرح عقيـدة الغمري وعقود الدرر على شرح ديباجة المختصر أتمه بالمشهد الحسيني سنة ثلاث وعشرين. ونظـم الموجهـات وشرحهـا وتعريـب رسالـة منـلا عصـام في المجاز ومجموع صيغ صلوات على النبي صلـى اللـه عليـه وسلـم. ومؤلفاتـه مشهورة مقبولة متداولة بإيدي الطلبة ويدرسها الأشياخ. وتعلل مـدة وأنقطع لذلك في منزله وهو ملقى على الفراش ومع ذلك يقرأ عليه في كل يوم في أوقات مختلفـة أنـواع العلـوم وترد عليه الناس من الآفاق ويقرأون عليه ويستجيزونه فيجيزهم ويملي عليهم ويفيدهم ومنهم من يأتيه للزيارة والتبرك وطلب الدعاء فيمدهم بأنفاسه ويدعو لهم وكان ممتع الحـواس وأقـام علـى هـذه الحالـة نحـو الثلاثين سنة حتى توفي في منتصف شهر ربيع الأول سنة 181. ومـات الشيـخ الإمـام الصالـح عبـد الحـي ين الحسن بن زين العابدين الحسيني البهنسي المالكي نزيل بولاق ولد بالبهنسا سنة 1083 وقدم إلى مصر فأخذ عن الشيخ خليل اللقاني والشيخ محمد النشرتـي والشيـخ محمـد الزرقانـي والشيـخ محمـد الأطفيحـي والشيـخ محمد الغمري والشيخ عبد الله الكنكسي والشيخ محمد بن سيف والشيخ محمد الخرشي وحج سنة 1113. وألف فأخذ عن البصري والنخلي وأجازه السيد محمد التهامي بالطريقة الشاذلية والسيد محمد بن علي العلوي في الأحمدية والشيخ محمد شويـخ فـي الشناويـة وحضـر دروس المحـدث الشيـخ علـي الطولوني ودرس بالجامع الخطيري ببولاق وأفاد الطلبة وكان شيخـًا بهيـًا معمـرًا منـور الشيبـة منجمعًا عن الناس زاهدًا قانعًا بالكفاف توفي ليلة الاثنين حادي عشري شعبان سنة 1181 بمنزلـه ببولـاق وصلـي عليـه بالجامـع الكبيـر فـي مشهـد حافـل وحمل على الأعناق إلى مدافن الخلفاء قرب مشهد السيدة نفيسة فدفن بها رحمة الله. ومـات الشيـخ إمـام السنـة ومقتـدى الأمـة عبـد الخالـق بـن أبي بكر بن الزين ابن الصديق بن الزين بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن أبي القاسم النمري الأشعري المزجاجي الزبيدي الحنفي من بيت العلم والتصوف جده الأعلى محمد بن محمد بن أبي القاسم صاحب الشيخ اسمعيل الجبرتي قطب اليمن وحفيده عبد الرحمن بن محمد خليفة جده في التسليك والتربية وهو الذي تدير زبيد بأهله وعياله وكان قبل بالمزجاجة وهي قرية أسفل زبيد خربت الآن. ولد المترجم سنة ألف ومائة بزبيد وحفظ القرآن وبعض المتون ولما ترعرع أخذ عن الإمام المسند الشيخ علاء الدين المزجاجي والسيد عبد الفتاح بـن اسمعيـل الخـاص والشيـخ علـي المرحومي نزيل مخا وأجازه من مكة الشيخ حسن العجمي بعناية والده وبعناية قريبه الشيـخ علي بن علي الزجاجي نزيل مكة ووفد إلى الحرمين فأخذ بمكة عن الشيخ محمد عقيلة. روىعنـه الكتـب الستـة وحمـل عنـه المسلسلات بشرطها وألبسه وحكمه وحضر على الشيخ عبد الكريم اللاهوري في الفقه والأصول وكان يحثه على قراءة الأخسكيتي ويقول لا يستغنى عنه طالـب وحضـر دروس الشيخ عبد المنعم ابن تاج الدين القلعي ومحمد بن حسن العجمي ومحمد بـن سعيـد التنبكتـي وبالمدينـة عـن الشيـخ محمـد طاهـر الكـردي سمـع منـه أوائـل الكتـب الستـة والشيخ محمـد حيـاة السـدي لازمـه فـي سمعـا الكتب الستة وعاد إلى زبيد فأقبل على التدريس والأفادة وسمـع عليـه شيخنـا السيد محمد مرتضى الصحيحين وسنن النسائي كله بقراءته عليه في عين الرضا موضح بالنخل خارج زبيد كان يمكث فيه أيام خراف النخل والكنز والمنار كلاهما للنسفـي ومسلسلـات شيخـه بـن عقيلـة وهـي خمسة وأربعون مسلسلًا. وسمع عليه أيضًا المسلسل بيـوم العيـد ولازم درسه العامة والخاصة وألبسه الخرقة ونقبه وحكمه بعد أن صحبه وتأدب به وبه تخرج شيخنا المذكور. كذا ذكر في ترجمتـه. قـال وفـي أخـرى توجـه إلـى الحرميـن فمـات بمكـة فـي ذي الحجة سنة 1181. ومات الشيخ الإمام الثبت العلامة الفقيه المحدثاشيخ عمر بن علي ابن يحيى بـن مصطفىالطحلاوي المالكي الأزهـري تفقـه علـى الشيـخ سالـم النفـراوي وحضـر دروس الشيـخ منصور المنوفـي والشهـاب بـن الفقيـه والشيـخ محمـد الصغيـر الـورزازي والشيـخ أحمـد الملـوي والشبراوي والبليدي وسمع الحديث عن الشهابين أحمد البابلي والشيخ أحمـد العمـاوي وأبـي الحسن علي بـن أحمـد الحريشـي الفاسـي وتمهـر فـي الفنـون ودرس بالجامـع الأزهـر وبالمشهـد الحسينـي وأشتهـر أمـره وطـار صيتـه وأشيـر إليـه بالتقـدم فـي العلـوم وتوجـه إلـى دار السلطنـة فـي مهم اقتضـى لأمـراء مصـر فقوبـل بالأجابـة وألقى هناك دروسًا في الحديث في آيا صوفية وتلقى عنه أكابـر العلمـاء هنـاك في ذلك الوقت وصرف معززًا مقضيًا حوائجه وذلك في سنة 1147. ولما تمـم عثمـان كتخـدا القازدغلـي بنـاء مسجـده بالازبكية في تلك السنة تعين المترجم للتدريس فيه وذلك قبل سفره إلى الديار الرومية وكان مشهورًا في حسن التقرير وعذوبة البيـان وجـودة الألقـاء وقرأ الموطأ وغيره بالمشهد الحسيني وأفاد وأجاز الأشياخ وكان يطلع في كل جمعة إلى المرحـوم حمـزة باشـا مـرة فيسمـع عليـه الحديث. وكان للناس فيه أعتقاد حسن وعليه هيبة ووقار وسكـون ولكلامـه وقـع فـي القلـوب توفـي ليلـة الخميـس حـادي عشر صفر سنة 1181 وصلي عليه بصباحه في الأزهر في مشهد حافل ودفن بالمجاورين رحمه الله. ومـات الوجيـه الصالـح الشيـخ عبـد الوهـاب بن زين الدين بن عبد الوهاب بن نور الدين بن بايزيد بن أحمد بن القطب شمس الدين بن أبي المفاخر بن داود الشربيني الشافعي وهو أحد الأخوة الثلاثة وهو أكبرهم تولى النظر والمشيخة بمقام جده بعد أبيه فسار فيها سيرًا مليحًا وأحيا المآثر بعدما أندرست وعمر الزاوية وأكرم الوافدين وأقام حلقة الذكر كل يوم وليلة بالمسجـد ويغدق على المنشدين وورد مصر مرارًا منها صحبـة والـده ومنهـا بعـد وفاتـه وألـف باسمـه شيخنا السيد مرتضى رسالة في الطريقة الأوسية سماها عقيلة الأتراب في سند الطريقة والأحـزاب وفـي آخـره أتـى إلـى مصـر لمقتضـى ومـرض ثلاثـة أيـام. وتوفي ليلة الأحد غرة ذي القعدة سنة 1181. ومات الشيخ الإمام العلامة الهمام أوحد أهل زمانه علمًا وعملًا ومن أدرك ما لم تدركه الأول المشهـود لـه بالكمـال والتحقيـق والمجمـع علـى تقدمه في كل فريق شمس الملة والدين محمد بن سالم الحفاوي الشافعي الخلوتي وهو شريف حسيني من جهة أم أبيه وهي السيدة ترك ابنة السيد سالـم بن محمد بن علي بن عبد الكريم بن السيد برطع المدفون ببركة الحاج وينتهي نسبه إلى الإمـام الحسيـن رضـي اللـه عنـه وكـان والده مستوفيًا عند بعض الأمراء بمصر وكان على غاية من العفاف ولد على رأس المائة ببلده حفنا بالقصر قرية من أعمال بلبيس وبها نشأ والنسبة إليها حفناوي وحفني وحفنوي وغلبت عليه النسبة حتى صار لا يذكر إلا بها وقرأ بها القرآن إلى سورة الشعراء ثم حجزه أبوه بإشارة الشيخ عبد الرؤوف البشبيشي وعمره أربع عشرة سنة بالقاهرة فكمل حفظ القرآن ثم أشتغل بحفظ المتون فحفظ إلفية ابن مالك والسلم والجوهرة والرحبيـة وأبا شجاع وغير ذلك. وأخذ العلم عن علماء عصره وأجتهد ولازم دروسهم حتى تمهر واقرأ ودرس وأفاد في حياة أشياخه وأجازوه بالأفتاء والتدريس فأقرأ الكتب الدقيقة كالاشموني وجمع الجوامع والمنهج ومختصر السعد وغير ذلك من كبت الفقه والمنطق والأصول والحديث والكلام عام اثنتين وعشرين وأشياخه الذين أخذ عنهم وتخرج عليهم الشيخ أحمد الخليفي والشيخ محمد الديربي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ أحمد الملوى والشيخ محمد السجاعي والشيخ يوسف الملوي والشيخ عبده الديوي والشيخ محمد الصغير ومن أجل شيوخه الذين تخرج بالسند عنهم الشيخ محمد البديري الدمياطي الشهير بابن الميت أخذ عنه التفسير والحديث والمسندات والمسلسلات والأحياء للأمام الغزالي وصحيـح البخـاري ومسلـم وسنن أبي داود وسنن النسائي وسنن ابن ماجه والموطأ ومسنـد الشافعـي والمعجـم الكبيـر للطيرانـي والمعجـم الأوسـط والصغيـر لـه أيضـًا وصحيـح ابـن حيان والمستدرك للنيسابوري والحليـة للحافـظ أبـي نعيـم وغيـر ذلـك. وشهـد لـه معاصـروه بالتقدم في العلوم وحين جلس للأفادة لازمه جل طلبة العلم ومن بهم يسمو المعقول والمنقول وكان إذ ذاك في شدة من ضيق العيش والنفقة فاشترى دواة وأقلامًا وأوراقًا واشتغل بنسخ الكتب فشق عليه ذلك خوفًا من انقطاعه عـن العلـم. وكـان يتـردد إلـى زاويـة سيـدي شاهيـن الخلوتـي بسفـح الجبـل ويمكـث فيهـا الليالـي متحنثًا وأقبل على العلم وعقد الدروس وختم الختوم بحضرة جمع العلماء وقرأ المنهاج مرات وكتب عليه وكذلك جمع الجوامع والاشموني ومختصر السعد وحاشية حفيده علبه كتب عليه وقرأها غير مرة وكان الشيخ العلامة مصطفى العزيزي إذا رفع إليه سؤال يرسله إليه. وأشتغل بعلم العروض حتى برع فيه وعالى النظم والنثر وتخرج عليه غالب أهل عصره وطبقته ومن ذويهم كأخيه العلامة الشيخ يوسف والشيخ اسمعيل الغنيمي صاحـب التآليـف البديعـة والتحريـرات الرفيعة المتوفى سنة إحدى وستين وشيخ الشيوخ الشيخ على الغدوي والشيخ محمد الغيلاني والشيـخ محمـد الزهـار نزيـل المحلـة الكبـرى وغيرهم كما هو في تراجم المذكورين منهم. وكان على مجالسه هيبة ووقار ولا يسأله أحد لمهابته وجلالته فمن تآليفه المشهورة حاشية على شـرح رسالة العضد للسعد وعلى الشنشوري في الفرائض وعلى شرح الهمزية لأبن حجر وعلى مختصـر السعـد وعلـى شرح السرقندي للياسمينية في الجبر والمقابلة وله تصانيف أخر مشهورة. وكان كريم الطبع جدًا وليس للدنيا عنده قدر ولا قيمة جميل السجايا مهاب الشكل عظيم اللحية أبيضها كأن على وجهه قنديلًا من النور. وكان كريم العين على أحداهما نقطة وأكثر الناس لا يعلمون ذلك لجلالته ومهابته وكان في الحلم على جانب عظيم ومن مكارم أخلاقه أصغاؤه لكلام كل متكلم ولو من الخزعبلات مع أنبساطه إليه وإظهار المحبة ولو أطال عليه ومن رأه مدعيًا شيئًا سلم له في دعواه ومن مكارم أخلاقه أنه لو سأل إنسانا أعز حاجة عليه أعطاها له كائنة ما كانت ويجد لذلك أنسـًا وأنشراحـًا ولا يعلـق أملـه بشـيء مـن الدنيـا ولـه صدقات وصلات أخفية وظاهرة وكان راتب بيته من الخبز في كل يوم نحو الأردب والطاحون دائمة الدوران وكذلك دق البن وشربات السكر ولا ينقطع ورود الوارديـن ليـلًا ونهـارًا ويجتمـع على مائدته الأربعون والخمسون والستون ويصرف على بيوت أتباعه والمنتسبين إليه. وشاع ذكره في أقطار الأرض وأقبل عليه الوافدون بالطول والعرض وهادتـه الملـوك وقصـده الأميـر والصعلوك فكل من طلب شيئًا من أمور الدنيا والآخرة وجده. وكـان رزقـه فيضـًا ألهيـًا. وللشيخ رضي الله عنه مناقب ومكاشفات وكرامات وبشارات وخوارق عادات يطول شرحها ذكرها الشيخ حسن المكي المعروف بشمه في كتابه الذي جمعه في خصوص الأستاذ وكذلك العلامة الشيخ محمد الدمنهوري المعروف بالهلباوي له مؤلف في مناقب الشيخ ومدائحه وغير ذلك وصل في ذكر أخذ العهد بطريق الخلوتية وهي نسبة إلى سيدي محمد الخلوتي أحد أهل السلسلة ويعرفون أيضًا بالقرباشلية نسبة إلى سيـدي علـي أفنـدي قـره باش أحد رجالها أيضًا وهذا هو الأسم الخاص المميز لهم عن غيرهم والخلوتيـة الكـرام فرق قـد نهجـوا نهـج الجنيد فرقوا وخيرهم طريقنا العليـه من قد دعوا بالقربا شليه وهي طريقة مؤيدة بالشريعة الغراء والحنيفة السمحاء ليس فيها تكليف بما لا يطـاق وكانـت خير الطرق لأن ذكرها الخاص بها: لا إله إلا الله وهي أفضل ما يقول العبد كما في الحديث الشريف. وكان المترجم رضي الله عنه أشتغل بالسلوك وطريق القوم بعد الثلاثين فأخذ على رجل يقال لـه الشيـخ أحمـد الشاذلـي المغربـي المعـروف بالمقري فتلقى منه بعض أحزاب وأوراد ثم قدم السيد البكري من اشام سنة 1133 فأجتمع عليه الشيخ بواسطة بعض تلامذة السيد وهو السيد عبد الله السلفيتي فسلم عليه وجلس فجعل السيد ينظر إليه وهو كذلك ينظر إليه فحصل بينهمـا الأرتبـط القلبـي ثـم قـام وجلـس بيـن يـدي السيد بعد الأستئذان وكانت عادة السيد إذا أتاه مريد أمره أولا بالأستخارة قبل ذلك إلا هو فلم يأمره بها وذلك إشـارة إلـى كمـال الأرتبـاط فاخذ عليه العهد حالًا ثم أشتغل بالذكر والمجاهدة. فرأى في منامه في تعض الليالي السيد البكري والشيخ أحمد الشاذلي المذكور جالسين والشيخ حمد يعاتبه على دخوله في الطريق ويعاتب أيضًا السيد فقال له السيد: هل لك معه حاجة قال: نعم لي معه أمانة. وإذا بجريدة خضـراء بيـد السيـد فقـال لـه: هـذه أمانتـك قال: نعم. فكسرها نصفين ورماها للشاذلي وقال له: خـذ أمانتـك ثـم أنتبـه. فأخبر السيد فقال له: هذا اتصال بنا وانفصال عنه. وهذه هي النسبة الباطنية التي صار بها سلمان الفارسي وصهيب من أهل البيت. وقال ابن الفاض في التائية على لسان الصادق صلى الله عليه وسلم: وأني وأن كنت ابن آدم صورة فلي فيـه معنـى شاهـد بالأبـوة فإن آدم له أب من حيث النسبة الظاهرة وهو أب لآدم من حيث النسبة الباطة لأنه نائب عنه فـي الأرسـال ومنبـأ بخـده فـي الأنـزال ولـم يستمـد مـن الخضـرة العليـة إلا بواسطتـه ولذلـك لما توسل به قبلـت توبته وزادت محبته لم يجعل مهر حواء سوى الصلاة والسلام عليه كما ورد ذلك كله وهو مـن المعلـوم ضـرورة. فظهـر بهـذا أن هـذه النسبـة أعظم من تلك لترتب الثمرة عليها. ثم سار في طريقـة القـوم أتـم سيـر حتـى لقنـه الأستـاذ الأسـم الثانـي والثالـث. ومـن حيـن أخـذ عليه العهد لم يقع منـه فـي حـق الشيخ إلا كمال الأدب والصدق التام وهو الذي قدمه وبه ساد أهل عصره. فمن ذلـك أنـه كـان لا يتكلـم فـي مجلسـه أصـلًا إلا إذا سألـه فإنـه يجيبـه على قدر السؤال ولم يزل يستعمل ذلـك معـه حتـى إذن لـه بالتكلـم فـي مجلسـه فـي بعـض رحلاته إلى القاهرة وسببه أنه لما رأى إقبال النـاس عليـه وتوجههـم إليه قال له: أنبسط إلى الناس وأستقبلهم لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم. ومماأتفق له أن شيخه المذكور قال له مرة: تعال الليلة مع الجماعة وأذكروا عندنا في البيت. فلما دخل الليل نزل شتاء ومطر شديد فلم يتخلف وذهب حافيا والمطر يسكب عليه وهو يخوض في الوحل فقال له: كيف جئت في هذه الحالة. فقال: يا سيدي أمرتمونا بالمجيء ولم تقيدوه بعذر وأيضًا لا عذر والحالة هذه لا مكان المجيء وأن كنت حافيـًا فقـال لـه: أحسنـت هـذا أول قدم في الكمال إلى غير ذلك. ولما علم الشيخ صدق حاله وحسن فعاله قدمه على خلفائه وأولاه حسن ولائه ودعاه بالأخ الصادق ومنحه أسرارًا وأراه عيون الحقائق وكيفية تلقين الذكر وأخذ العهد كما وجد بخط الأستاذ يظهر ثبت عبد الله بن سالـم البصـري مـا نصـه: هـذه صـورة أخـذ العهـد أرسلهـا إليـه السيد البكري الصديقي الخوتي حين أذنه بأخذ العهود على طريقة السادة الخلوتية. ونص ما كتب كيفية المبايعة للنفس الطائعة أن يجلس المريد بين يدي الأستاذ ويلصق ركبته بركبته والشيخ مستقبل القبلة ويقرأ الفاتحة ويضع يده اليمنى في يده مسلما له نفسه مستمدًا من أمداده ويقول له: قل معي أستغفر الله العظيم ثلاث مرات ويتعوذ ويقرأ آية التحريم: يأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا إلى قدير ثم يقرأ آية المبايعة التي في الفتح ليزول الأشتباه وهي: أن الذين يبايعونك أنما يبايعون الله أقتداء برسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم إلـى قولـه تعالـى عظيمـًا ثم يقرأ فاتحة الكتاب ويدعو الله لنفسه وللآخذ بالتوفيق ويوصيه بالقيام باوراد الطريق والدوام علـى ذوق أهـل هـذا الفريـق وعـرض الخواطـر وقـص الؤيـات العواطـر وإذا وقعـت الإشـارة بتلقيـن الأسـم الثانـي لقنـه ليبلـغ الأماني. وفتح له بـاب توحيـد الأفعـال إذ لا غيـره فعـال وفـي الثالـث توحيد الأسماء ليشهد السر الأسمى وفي الرابع توحيد الصفات ليدرجه إلى أعلى الصفات وفي الخامس توحيد الذات ليحظى بأوفر اللذات وفـي السـادس والسابـع يكمـل لـه التوابـع. ونسـأل اللـه تعالـى الهداية والرعاية والعناية والدراية والحمد للـه رب العالميـن انتهـى. هذا ما كتب بخطه الشريف. قال ورأيت أيضًا بظهر الثبت المذكور ما نصه: ثم رأيت في الفتوحات الألهية في نفع أرواح الذوات الإنسانية وهو كتاب نحو كراس لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري ما نصه: إذا أراد الشيخ أن يأخذ الهد علـى المريـد فليتطهـر وليأمـره بالتطهـر مـن الحـدث والخبـث ليتهيـأ لقبـول مـا يلقيـه إليـه مـن الشـروط فـي الطريـق ويتوجـه إلـى اللـه تعالى ويسألـه القبول لهما ويتوسل إليه في ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه الواسطة بينه وبين خلفه ويضع يده اليمنى على يد المريد اليمنى بأن يضع راحته على راحتـه ويقبـض أبهامـه بأصابعـه ويتعوذ ويبسمل ثم يقول: الحمد لله رب العالمين أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ويقول المريد بعده مثل ما قال. ثم يقول اللهم أني أشهدك واشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وأولياءك أني قـد قبلتـه شيخـًا فـي اللـه ومرشـدًا وداعيـًا إليـه ثم يقول الشيخ اللهم أني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبيـاءك ورسلـك وأوليـاءك أنـي قـد قبلتـه ولـدًا فـي الله فأقبله وأقبل عليه وكن له ولا تكن عليه. ثم يدعو كأن يقول اللهم أصلحنا وأصلح بنا وأهدنا وأهد بنا وأرشدنا وأرشد بنا اللهم أرنا الحق حقًا وألهمنا أتباعه وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا أجتنابه اللهم أقطع عنا كل قاطع يقطعنا عنك ولا تقطعنا عنك ولا تشغلنا بغيرك عنك أنتهى. قلت والمراتب السبعة التي أشار إليها السيد في الكيفية المتقدمة هي مراتب الأسماء السبعة وللنفـس فـي كـل مرتبـة منهـا مرتبـة باسـم خـاص دال عليـه: الاسـم الأول لا إله إلا الله وتسمى النفس فيه إمارة والثاني الله وتسمى النفس فيه لوامة والثالث هو وتسمى النفس فيه ملهمة والرابع حق وهو أول قدم يحله المريد من الولاية كما مرت الإشارة إليه وتسمى النفس فيه مطمئنة والخامس حي وتسمى النفس فيه راضية والسادس فيرم وتسمى النفس فيه مرضية والسابع قهـار وتسمـى النفـس فيـه كاملـة وهـو غايـة التلقيـن. وكلهـا ما عدا الأول منها تلقن في الأذن اليمنى إلا السابع ففي اليسرى وتلقينها بحسب ما يراه الشيخ من أحوال المريدين إفعال وأقوال وعالم مثـال. واعلـم أن سلسلـة القـوم هـذه فـي كيفيـة أخـذ العهـد والتلقيـن مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرويه عن جبريل وهو يرويه عن الله عز وجل. وفي بعض الروايات روايته عن رؤسـاء الملائكـة الأربـع والنبـي صلـى الله عليه وسلم لقن عليًا رضى الله عنه وصورة ذلك كما في ريحـان القلـوب فـي التوصـل إلـى المحبـوب لسيـدي يوسـف العجمـي أن عليـًا سـأل رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم فقـال يـا رسـول اللـه دلني على أقرب الطرق إلى الله تعالى. فقال يا علي عليك بمداومـة ذكـر اللـه فـي الخلوات. فقال علي رضي الله عنه هذا فضيلة الذكر وكل الناس ذاكرون فقـال رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم يا علي لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول الله. فقـال علـي كيـف أذكـر يـا رسـول الـه. قـال غمـض عينيـك وأسمـع منى ثلاث مرات ثم قل أنت ثلاث مـرات وأنـا أسمـع. فقـال النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم لا إله إلا الله ثلاث مرات مغمضًا عينيه رافعًا صوتـه وعلـي يسمـع ثـم قـال علـي لا إلـه إلا اللـه ثلـاث مـرات مغمضـًا عينيـه رافعـا صوته والنبي صلى اللـه عليـه وسلـم يسمـع. ثـم لقن علي الحسن البصري رضي الله عنهما على الصحيح عند أهل السلسلـة الأخيـار مـن المحدثيـن. قال الجاحظ السيوطي: الراجح أن البصري أخذ عن علي ومثله عـن الضيـاء المقدسـي ومـن المقـرر فـي الأصـول أن المثبـت مقدم على النافي ثم لقن الحسن البصري حبيبـًا العجمـي وهـو لقـن داود الطائـي وهو لقن معروفا الكرخي وهو لقن سريا السقطي وهو لقن أبـا القاسـم سيـد الطائفتيـن الجنيـد البغدادي وعنه تفرقت سائر الطرق المشهورة في الإسلام. ثم لقن الجنيد ممشاد الدينوري وهو لقن محمد الدينوري وهو لقن القاضي وجيه الدين وهو لقن عمر البكري وهو لقن أبا النجيب الهروردي وهو لقن قطب الدين الابهري وهو لقـن محمـد النجاشي وهو لقن شهاب الدين الشيرازي وهو لقن جلال الدين التبريـزي وهـو لقـن إبراهيـم الكيلانـي وهـو لقـن أخـي محمـد الخلوتـي وإليـه نسبـة أهـل الطريـق وهـو لقـن بير عمر الخلوتي وهو لقن أخي بيرام الخلوتي وهو لقن عز الدين الخلوتي وه لقن صدر الدين الخيالي وهـو لقـن يحيـي الشرواني صاحب ورد الستار وهو لقن بير محمد الأرزنجاني وهو لقن جلبي سلطان المشهور بجلبي خليفة وهو لقن خير التوقادي وهو لقن شعبان القسطموني وهو لقن اسمعيل الجورومي وهـو المدفـون فـي بـاب الصغيـر فـي بيـت المقـدس عنـد مرقـد سيـدي بلـال الحبشـي وهو لقن سيدي علـي أفنـدي قـره بـاش أي أسـود الرأس باللغة التركية وإليه نسبة طريقنا كما مر وهو لقن مصطفى أفندي ولده وخلفاؤه كما قال السيد الصديقي أربعمائة ونيف وأربعون خليفة وهو لقن عبد اللطيـف بـن حسـام الديـن الحلبـي وهـو لقـن شمس الطريقة وبرهان الحقيقة السيد مصطفى بن كمال الدين البكري الصديقي وهو لقن قطب رحاها ومقصد سرها ونجواها شيخنا الشيخ محمد الحفناوي وهو لقن وخلف أشياخًا كثيرة منهم بركة المسلمين وكهف الواصلين الصوفي الصائم القائـم العابـد الزاهـد الشيـخ محمد السمنودي المعروف بالمنير شيخ القراء والمحدثين وصدر الفقهاء من مناقبه الحميدة صيام الدهر مع عدم التكلف لذلك وقيام الليل يقرأ في كل ركعة ثلث القرآن وربما نصفه أو جميعه في كل ركعة هذا ورده دائمًا صيفًا وشتاء فتى وشيخًا يافعًا ومنهـا تواضعـه وخمولـه وعـدم رؤيـة نفسـه ويبـرأ مـن أن تنسب إليه منقبة وسيأتي باقي ترجمته في وفاته. ومنهـم علامة وقته وأوانه الولي الصوفي الشيخ حسن الشيبيني ثم القوي طلب العلم وبرع فيه وفـاق علـى أقرانـه ثـم جذبتـه أيـدي العنايـة إلـى الشيـخ فأخـذ عليـه العهـد ولقنه أسماء الطريق السبعة على حسب سلوكه في سيره ثم ألبسه التاج وأجازه بأخذ العهود والتلقين والتسليك وصار خليفة محضًا فإدار مجالس الذكر ودعا الناس إليها من سائر الأقطار وفتـح اللـه عليـه بـاب العرفان حتى صار ينطق بأسرار القرآن. ومنهـم العالـم النحريـر الصوفـي الصالـح السلـك أراجـح الشيخ محمد السنهوري ثم الفوى طلب العلم حتى صار من أهل الأفتاء والتدريس وأنتصب للتأكيد والتأسيس ثم دعته سعادة حضرة القـوم فسلـك مـع المجاهـدة وحسـن السيرة على يد الأستاذ حتى لقنه الأسماء السبعة وألبسه التاج وأقامه خليفة يهدي لأقوم منهاج ثم إذن له في التوجه إلى بلده فتوجه إليها وربي بها المريدين وأدار مجالس الأذكار بتلك البقاع وعم به في الوجود الأنتفاع. ومنهم البحر الزاخر حائز مراتب المفاخر الولي الرباني والصوي في العالم الإنساني الشيخ محمد الزعيـري أشتغل بالعلم حتى برع وصار قدوة لكل مفتدي وجذوة لمن لا يهتدي ثم سلك على يد الأستاذ فأخذ عليه العهد ولقنه الأسماء على حسب سيره وسلوكه ثم خلفه وألبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك. ومنهم الحبر العلامة والبحر الفهامة شيخ الأفتاء والتدريس الشيخ خضر رسلان أشتغل على الشيخ مدة مديدة ولازمه ملازمة شديدة وأخذ عليه العهد في طريق الخلوتيـة حتـى تلقـن الأسماء وألبسه الشيخ التاج وصار خليفة بأخذ العهود والتسليك. ومنهـم الشيـخ الصوفـي الولـي صاحـب الكرامـات والأيـادي والمكرمـات شيخنـا الشيـخ محمود الكردي أخذ على الشيخ العهد والطريق ولقنه الأسماء فكان محمود الأفعال معروفا بالكمال ثم ألبسـه التاج وصار خليفة وأجازه بالتلقين والتسليك فأرشد الناس وأزال عن قلوبهم الوسواس. وهو مشهور البركة يعتقده الخاص والعام كثير الرؤية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومـن كراماته أنه متى أراد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم رآه. وله مكاشفات عجيبة نفعنا الله بحبـه ولا حجبنـا عـن قربـه وهـو الـذي قام للإرشاد والتسليك بعد أنتقال شيخه وسلك على يده كثيـر وخلفـوه من بعده منهم الشيخ الصالح الصوفي والشيخ محمد السقاط والشيخ العلامة شيخ الإسلام والمسلمين مولانا الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر الآن والأمام الأوحد الشيـخ محمـد بديـر الـذي هـو الـآن بالقدس الشريف والمشار إليه في التسليك بتلك الديار والشيخ الصالـح الناحـج إبراهيم الحلبي الحنفي والسيد الأجل العلامة والرحالة الفهامة السيد عبد القادر الطرابلسـي الحنفـي والشيـخ الإمـام العمـدة الهمـام الشيـخ عمـر البابلـي وغيرهـم أدام اللـه النفـع بوجودهم. ومنهـم العالـم العلامـة الألمعـي الفهامـة بقيـة السلـف والخليفـة ونعم الخلف الشيخ محمد سبط الأستاذ المترجم أطال الله بقاءه. ومنهم الشيخ الفهامة الأديب الأريب واللوذعي النجيب الشيخ محمد الملاوي الشهير بالدمنهوري الشافعي. ومنهم الشيخ الصوفي القدوة الشيخ أحمد الغزالي تلقن منه الأسماء وتخلف عنه وألبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك. ومنهم العالم العامل الشيخ أحمد القحافي الأنصاري أخذ العهد وأنتظم في سلك أهل الطريق وتلقن الأسماء وصار خليفة مجازًا فأرشد الناس وأفتتح مجالس الأذكار. ومنهـم تـاج الملـة وإنسـان عين المجد عن غير علة ذو النسب الباذخ والشرف الرفيع الشانح السيد علي القناوي تلقن الأسماء وألبس التاج وصار خليفة حقا ومجـازًا بالتلقيـن والتسليـك فـأدار مجالس الأذكار وأشرقت به الأنوار. ومنهم العلامة العامل والفهامة الواصل الفاضل الشيخ سليمان المنوفي نزيل طندتا لقنه وأرشده وخلفه وألبسه التاج وأجازه فسلك وأرشد وله أحوال عجيبة. ومنهم الصوفي الصالح الشيخ حسن السخاوي نزيل طندتا أيضًالقنه وخلفه وألبسه التاج فدعا الناس لأقوم منهاج. ومنهم علامة الأنام الشيخ محمد الرشيدي الملقب بشعير لقنه وخلفه وأجازه فكثر نفعه. ومنهم العلامة الأوحد ومن على مثله الخناصر تعقد الشيخ يوسف الرشيدي الملقب بالشيال رحل أيضًا إليه فتلقن منه وسلك على يديه حتى صار خليفة وألبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك ورجع إلى بلاده بأوفر زاد وأدار مجالس الذكـر وأكثـر المراقبـة والفكـر حتـى كثـرت أتباعه وعم أنتفاعه. ومنهم العمدة المقدم الهمام الناسـك السالـك الشيـخ محمـد الشهيـر بالسقالقنـه وإجـازه بالتلقيـن والتسليك فكثر نفعه وطاب صنعه. ومنهم فريد دهر وعالم عصره معدن الفضل والكمال قطب الجمال والجلال الشيخ باكير أفندي ومنهم بدر الطريق و شمس أفق التحقيق العالم العلامة والصوفي الفهامة الشيخ محمد الفشني لقنه وخلفه وألبسه التاج فأخذ السهود ولقن وسلك وفاق في سائر الآفاق وتقدم في الخلاف والوفاق. ومنهـم العالم العامل والشهم الماهر الكامل الشيخ عبد الكريم المسيري الشهير بالزيات تلقن العهد والأسمـاء حسـب سلوكـه وسيـره وأجيـز بأخـذ العهـود والتلقيـن والتسليـك فزاد نورًا على نور وحبي بلذة الطاعة والحبور. ومنهم شيخ الفروع والأصول الجامع بين المعقول والمنقول علامة الزمان والحامل في وقته لواء العرفان والشيخ أحمد العدوي الملقب بدردير جذبته العناية إلى نادي الهداية فجاء إلى الشيخ وطلـب منـه تلقيـن الذكـر فلقنـه وسار أحسن سير وسلك أحسن سلوك حتى صار خليفة بأخذ العهـود والتلقين والتسليك مع المجاهدة والعمل المرضي وسيأتي في وفياتهم تتمة تراجمهم رضي الله عنهم. ومنهم أيضًا الشيخ العلامة الولي الصوفي الشيخ محمد الرشيدي الشهير بالمعصراوي. ومنهـم الإمـام الجامـع والولـي الصوفي النافع مولاي أحمد الصقلي المغربي تلقن وتخلف وأجيز بأخذ العهود والتلقين والتسليك. ومنهـم الصالـح العامـل الفهامـة العابـد الزاهـد الشيـخ اسمعيـل اليمنـي تلقـن وسلك مع التقى والعفاف والملازمة الشديدة والخدمة الأكيدة وحسن المجاهدة. ومنهم النحرير الكامل واللوذعي الفاضل مؤلف المجموع الشيخ حسن بن علي المكي المعروف بشمه الناظم الناثر الحاوي الخير المتكاثر وغير هؤلاء ممن لم نعرف كثير. في ذكر رحلة الأستاذ المترجم إلى بيت المقدس وهو أنه لم إذن له السيد البكري بأخذ العهود وتلقين الذكر لم يقع له تسليك أحد في هذه الطريقة إنما كان شغله وتوجهه كله إلى العلم واقرائه لكن ذلك بجسمه وأما قلبه فلم يكن إلا عند شيخه السيد الصديقي ولم يزل كذلك إلى عام تسع وأربعين. فحن جسمه إلى زيارة شيخه وأنشد لسان حاله: أخذتم فؤادي وهو بعضى فما الذي يضركـم لـو كـان عندكـم الكـل فأرسـل إليـه السيـد يدعـوه لزيارتـه فهـام إذ فهـم رمـز إشارتـه وتعلقـت نفسـه بالرحيـل فتـرك الأقراء والتدريس وتقشف وسافر إلى أن وصل بالقرب من بيت المقدس. فقيل له إذا دخلت بيت المقدس فأدخل من الباب الفلاني وصل ركعتين وزر محل كذا فقال لهم أنا جئت قاصدا بيـت المقـدس ومـا جئـت قاصـدًا إلا أستـاذي فـلا أدخـل إلا مـن بابـه ولا أصلـي إلا فـي بيتـه. فعجبوا لـه فبلـغ السيـد كلامـه فكـان سببًا لإقباله عليه وإمداده ثم سار حتى دخل بيت المقدس فتوجه إلـى بيـت الأستـاذ فقابلـه بالرحـب والسعـة وأفـرد له مكانًا ثم أخذ في المجاهدة من الصلاة والصوم والذكر والعزلة والخلوة قال: فبينما أنا جالس في الخلـوة إذا بـداع يدعونـي إليـه فجئـت إليـه فوجـدت بيـن يديـه مائـدة فقال أنت صائم قلت نعم: فقال كل فامتثلت أمره وأكلت فقال اسمع ما أقول لك إن كان مرادك صومًا وصلاة وجهادًا أو رياضة فليكن ذلك في بلدك وأما عندنا فلا تشتغل بغيرنا ولا تقيد أوقاتك بما تروم من المجاهدة وإنما يكون ذلك بحسب الاستطاعة وكل واشـرب وانبسـط قـال فامتثلـت إشارتـه ومكثـت عنـد أربعـة أشهـر كأنهـا ساعة غير أني لم أفارقه قط خلوة وجلوة ومنحه في هذه المدة الأسرار وخلع عليه القبول وتوجه بتاج العرفان وأشهد مشاهد الجمع الأول والثاني وفرق له فرق الفرق الثاني فحاز من التداني أسرار المثاني ثم لما انقضـت المـدة أراد العـود إلـى القاهـرة ودعـه ومـا ودعـه وسافـر حتى وصل إلى غزة فبلغ خبره أمير تلك القرية وكانت الطريق مخيفة فوجه مع قافلة ببيرقين من العسكر فساروا فلقيهم في أثناء الطريق أعراب فخافوهم فقالوا لأهل القافلة لا تخافوا فلسنا من قطاع الطريق وإن كنا منهم فلا نقـدر نكلمهـم وهـذا معكـم وأشـاروا إلـى الشيـخ ولـم يزالوا سائرين حتى انتهوا إلى مكان في أثناء الطريـق بعـد مجـاوزة العريـش بنحـو يوميـن فقيـل لهـم أن طريقكـم هذا غير مأمون الخطر ثم تشاوروا فقـال لهـم أعـراب ذلـك المكـان نحـن نسيـر معكـم ونسلـك بكـم طريقـًا غير هذا لكن اجعلوا لنا قدرًا من الدراهم نأخذه منكم إذا وصلتم إلى بلبيس فتوقف الركب أجمعه فقال الأستاذ أنا أدفع لكـم هـذا القـدر هنالـك فقالـوا لا سبيـل إلـى ذلـك كيـف تدفـع أنـت وليس لك في القفل شيء والله ما نأخذ منك إلا إن ضمنت أهل القافلة فقبل ذلك فاتفق الرأي على دفع الدراهم من أرباب التجـارات بضمانـة الشيخ فضمنهم وساروا حتى وصلوا إلى بلبيس ثم منها إلى القاهرة فسرت بـه أتـم سرور وأقبل عليه الناس من حينئذ أتم قبول ودانت لطاعته الرقاب وأخذ العهود على العالم وأدار مجالس الأذكار بالليل والنهار وأحيا طريق القوم بعد دروسهـا وأنقـذ مـن ورطـة الجهل مهجًا من عي نفوسها فبلغ هديه الأقطار كلها وصار في كثير من قرى مصر نقيب وخليفـة وتلامـذة وأتبـاع يذكـرون اللـه تعالـى ولـم يـزل أمـره في ازدياد وانتشار حتى بلغ سائر أقطار الأرض. وسار الكبار والصغار والنساء والرجال يذكرون الله تعالى بطريقتـه وصـار خليفـة الوقـت وقطبـه ولـم يبـق ولـي مـن أهـل عصـره إلا أذعـن لـه وحين تصدى للتسليك وأخذ العهود أقبل عليه الناس من كل فج وكان بد الأمر لا يأخذون إلا بالاستخارة والاستشارة وكتابة أسمائهم ونحو ذلك فكثر الناس عليه وكثر الطلب فأخبر شيخه السيد الصديقي بذلك فقال لا تمنع أحدًا يأخذ عنك ولو نصرانيًا من غير شرط وأسلم على يديه الولي الصوفي العالم العلامة المرشد الشيخ أحمد البناء الفوي ثم تلاه من ذكر وغيرهم وكان أستـاذه السيـد يثنـي عليـه ويمدحه ويراسله نظمًا ونثرًا ويترجمه بالأخ ولولا رآه قسيمًا له في الحال ما صدر عنه ذلك المقال حتى أنه قال له يومًا إني أخشى من دعائكم لي بالأخ لأنه خلاف عادة الأشياخ مع المريدين فقال له لا تخش من شيء وامتدحه أشياخه ومعاصروه وتلامذته. توفي رضي الله عنه يوم السبت قبل الظهر سابع عشر ربيع الأول سنة 1181 ودفن يوم الأحد بعد أن صلي عليـه فـي الأزهـر فـي مشهـد عظيـم جـدًا وكـان يـوم هـول كبيـر وكـان بيـن وفاته ووفاة الأستاذ الملوي ثلاثة عشر يومًا ومن ذلـك التاريـخ ابتـدأ نـزول البـلاء واختلـال أحـوال الديـار المصريـة وظهـر مصداق قول الراغب أن وجوده أمـان علـى أهـل مصـر مـن نـزول البـلاء وهـذا مـن المشاهـد المحسـوس وذلـك أنـه إذا لـم يكـن فـي النـاس مـن يصـدع بالحـق ويأمـر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقيم الهدى فسد نظام العالم وتنافرت القلوب ومتى تنافرت القلوب نزل البلاء ومن المعلوم المقرر أن صلاح الأمة بالعلمـاء والملـوك وصلـاح الملـوك تابـع لصلـاح العلمـاء وفسـاد اللـازم بفسـاد الملـزوم فما بالك بفقده والرحى لا تدور بدون قطبها وقد كان رحمه الله قطب رحى الديار المصرية ولا يتـم أمـر مـن أمـور الدولـة وغيرهـا إلا باطلاعـه وإذنه ولما شرع الأمراء القائمون بمصر في إخراج التجاريـد لعلـي بـك وصالـح بـك واستأذنـوه فمنعهـم مـن ذلـك وزجرهـم وشنـع عليهم ولم يأذن بذلك كما تقدم وعلموا أنه لا يتم قصدهم بدون ذلك فأشغلوا الأستاذ وسموه فعند ذلك لم يجدوا مانعًا ولا رادعًا وأخرجوا التجاريد وآل الأمر لخذلانهم وهلاكهم والتمثيل بهم وملك علي بك وفعـل مـا بـدا لـه فلـم يجـد رادعًا أيضًا ونزل البلاء حينئذ بالبلاد المصرية والشامية والحجازية ولم يزل يتضاعف حتى عم الدنيا وأقطار الأرض فهذا هـو السـر الظاهـري وهـو لا شـك تابـع للباطنـي وهـو القيام بحق وراثة النبوة وكمال المتابعة وتمهيد القواعد وإقامة أعلام الهدى والإسلام وأحكـام مبانـي التقـوى لأنهـم أمنـاء اللـه فـي العالـم وخلاصـة بنـي آدم أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون. ومات
|